الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية في الذكرى الثانية لوفاة المناضلة جمعة الحاجي: ابنتها "عبير" توجه لها هذه الرسالة المشحونة بالوجع

نشر في  20 ديسمبر 2017  (20:00)

في الذكرى السنوية الثانية لوفاة المناضلة جمعة الجاحي زوجة النائب عدنان الحاجي نشرت ابنتهما عبير رسالة لروح الفقيدة جاء فيها ما يلي:

"في الذكرى السنوية الثانية لوفاة أمي رحمها الله كتبت هذه الرسالة لها ارجو من الله ان لا تنسوها من صالح دعاؤكم دمتم وحفظكم الله..

رسالة الى أمي

كم بعيدة تلك المسافات بيني وبين الحياة حينما غادرتيها الى غير رجعه غادرت قلبي الأفراح ولم تعد للبسمة على وجهي سبيل احسست ان كل فرح الدنيا مات وان كل اشجارها الخضراء قد غدت يابسات وانهارها قد اضمحلت فما عادت تجري ولا عادت تبحر في بحور هذه الدنيا للفرح مراكب غادرتي الدنيا يا امي وغادرتني لذة الحياة ومتعتها كان كل الناس بعيدين عني وكنت وحدك القريبه وكنت احس نفسي وانت معي باني من يملك ملك كسرى وقيصر بمن يملك سهول ومروجا ملؤها كل جميل في الحياة كنت معك يا امي ولم يكن معي سواك وكنت ملك الحياة، اليوم يا امي اشعر اني غريبة وحيدة في دنيا كرهتني وكرهتها لم اعد ارغب في شيء حتى دموعي يا امي فقدتها ولم اعد اجدها لأبكي باعتني كما باعتني الدنيا في سوق عذابها تلك الدنيا بعدك لم تعد دنيا اصبحت جحيما واصبحت فيها غريب بين الأهل والأصحاب اه يا امي اين اجد حجرك لأ بكي عليه واين اجد حضنك يضمني ويدك الحنون تحنو على جرحي وتخيطه فتمحي الم السنين..

اه يا امي اكتوى قلبي من بعدك بالم الفراق واكتوي قلبي بلهيب الإحتراق بعدك يا امي لم اعد انا ولم تعد لي احلامي الشاردة ولا آمالي الهاربه امامي ولا مركبي الذي غرق في بحور العذاب وآهات الأيام كل يوم يمر اقف على بابه لعل منادي منك يا امى هاتف يهتف في اعماقي لعلي اشتم رائحه هواء عذب ولعل دمعتي الهاربه تجدني..

اما علمت يا امي اني بدونك لا شيء وان بدون يدك التي كانت تداعبني فيهدأ جرحي وتنام آهاتي بدون يدك يا امي تكبر في جروحي وتغتالني آهاتي عذاب دون دمع والم الى منتهى الحياة امي بعيدة تلك المسافة وبعيدة تلك الايام امي لم يعد يهدي في بيتنا الحمام ولم تعد تنام في اعشاش قلبي تلك الطيور في سلام..

لم تعد تتمايل سنابل قمحنا في بستان احلامنا الجميله كل شيء انتهى يا انبل مخلوقه كل شيء انتهي ليت الايام تركتني حتى اودعك او امهلتني حتى آتي معك ليتها علمت جرحي فرحمت ضعفي ليتك تعلمي يا امي كم انا مشتاقة لحضنك لضمك لابكي على كتفك لاقبل يدك اقبلها يا امي ولو مرة وتنتهي بعدها الحياة..

اه يا امي يا لقساوة الايام ويا لنهاية الاحلام اه كم اتمنى ان يغزو جسمي المنام لاعيش في عالم الحلم واحضنك يا امي وتغسلي نار قلبي ببرد يديك وانين وجعي بحنان قلبك ووحدتي وغربتي بلمسة منك انت مليكتي وحبي وكل حياتي انت يا امي وحدك جنتي واماني فانظري بعدك كم ارتعد خوفا وبردا وحزنا والما ووحدة وغربه وامضي من بعدك ليلي الطويل في انتظار هلاكي..
امي إن عشت بعدك فسأعيش على ذكراك لكن قسما يا امي بموتك ماتت ازهار حياتي

ابنتك المخلصة عبير"

وللتذكير فقد غيب الموت بتاريخ 19 ديسمبر 2015 المناضلة جمعة حاجي زوجة النائب عدنان الحاجي، وذلك بمستشفى شارل نيكول بالعاصمة بعد صراع مع مرض القصور الكلوي..

وللاشارة فانّ جمعة تعدّ من أبرز مناضلات الحوض المنجمي اللواتي عرفن ببسالتهنّ في مقاومة النظام القمعي والبوليسي، وخاصة خلال أحداث انتفاضة الحوض التي انطلقت شرارتها سنة 2008. وقد كانت المناضلة جمعة سند زوجها عدنان الحاجي فخلال فترة سجنه، ورغم تعرّضها لانتهاكات كثيرة واعتداءات جسدية عنيفة من قبل البوليس أنذاك ناهيك عن الايقافات، إلا أنها لم تأبى إلاّ المضي قدما لاجل الوقوف الى جانب زوجها من ناحية ووطنها من ناحية اخرى..

ولقد كان للمناضلة المرحومة جمعة الحاجي بصمة هامّة في كتاب الاعلامي المنصف بن بن مراد "ما دام للثورة التونسية نساء"، حيث قدّمت شهادتها التي روت عبرها تفاصيل نضالها ووقوفها الى جانب زوجها.. وهذا مقتطف ممّا قالته:

"لقد اعتبرت الوقوف الى جانب زوجي المناضل عدنان الحاجي واجبا لم انتظر منه جزاء ولا شكورا، كانت صحتي هي الثمن الذي دفعنه مقابل نضالي الذي ذقت فيه شتى أنواع التعذيب من قبل قوات الامن التي لازمتني كضلّي وحرمتني من العيش كسائر المواطنين لا لشيء إلا لانني ثرت على الواقع الجامد الظالم وساندت المتظاهرين في الحوض المنجمي فوقع قمعنا بشراسة..

أتذكر كيف كانوا يفتشون امتعتي و"القفة" التي كنت احمل فيها الطعام الى عدنان عندما كنت أزوره في سجن القصرين، كما تعرضت مرات لا تحصى ولا تعد للايقافات.. ثم تجددت مسيرة العذاب "الحلو" إثر نقل زوجي الى احد السجون بتونس إذ أنني لم أتمكن من اكتراء منزل يأويني بسبب أوامر "فوقية" تلّقتها ترسانة بشرية ورافقتني في كل تحركاتي القريبة والبعيدة، ولولا تدخّل الاتحاد  العام التونسي للشغل لتمكيني من منزل لابقى بجانب زوجي الى حين انقضاء عقوبته لكنت تعرضت للتشرد والعذاب خاصة بعد أن أصبحت أعاني من قصور كلوي بعد تعرضي من تعنيف وحشي من قبل "البوليسية". تعنيف أدى الى تمزق عرق في يدي اليسرى حرمني حتى من التمتع بالكلية التي منحها لي زوجي عدنان سنة 2001. ومن يومها بتّ رهينة غسيل كلوي يومي."

نساء المناجم الباسلات كتبن ملحمة من ملاحم الصمود النسوي التونسي، ملحمة تجسدت بصماتها الاولى بالنضال الذي روين به شفاه الثورة التي جاءت بعد ان مهدّت انتفاضة الحوض المنجمي طريقها وعبّدت مساره. فنساء المناجم ولدن الثورة ونساء تونس ناضلن بعد ذلك من أجلها".